برز موقف سلطنة عمان موقفا غير مسبوق الحدة والوضوح على المستوى السياسي الخارجي، في موقف أشعرنا بالتغيير في التعامل مع المعطيات الدولية وفي مسار هو الأقوى خلال الخمسة عقود المنصرمة، وظهر حال سياسة سلطنة عمان الراهن الجنوح للسلم واتباع الحياد المستديم اللذين هما عرف متأصل في السياسة العمانية منذ عصور، حيث لم يسجل التاريخ موقفا مهزوزا لعمان بل تميزت آراءها من القضايا الإقليمية والدولية بالثبات، إلا أن المتابع لنهج سلطنة عُمان وموقفها من القضية الفلسطينية يجد أنها لم تقف في المنطقة الرمادية بل خرجت رصينة واضحة وغير مهادنة أو مداهنة للرأي الدولي الذي تبنى الحياد والقلق وساوى المظلومية التي نالت أهل غزة بالمعتدي الإسرائيلي وجاءت الآراء الغربية مشمعة للمبرارات الصهيونية تجتر لها المسوغات والأعذار الواهية بذريعة القضاء على حماس الإرهابية وقد تناغم الرأي الرسمي العماني مع الرأي الشعبي الوطني والعربي والإسلامي مما جعل موقف سلطنة عمان هو الأقوى والأكثر عدالة وحدة اتجاه هذه القضية الإنسانية والعقائدية.
وإنني إذ أقف على هذه المواقف وقفة فخر وشموخ تجعلني أتفاءل أن عمان التي كانت رقما صعبا في المنطقة وحل القضايا الإقليمية والتي لجأت إليها السياسة الدولية لمساعدتها في حل الكثير من قضاياها العالقة، إلا إنني بت متيقنة أن التوجه السياسي الخارجي لعماني بحكمة مجدد نهضتها الحكيم السلطان هيثم بن طارق – أيده الله – وحكومته السديدة بكافة تشكيلاتها وعلى رأسها القيادة الخارجية ستكون الرقم الأصعب في المنطقة، ولقد نأت عمان بنفسها عن الصراعات الخارجية منذ زمن ولم تكن طرفا في قضايا وصراعات إقليمية نشبت ولكنها كانت الجزء الأكبر في حل هذه القضايا والصراعات وكانت محور الاتزان الذي أعاد الأمور إلى نصابها واتضح هذا في الأزمة اليمنية والأزمة الخليجية وغيرها، وبعودتنا إلى القضية الفلسطينية نجد أن سلطنة عمان أدانت كل الهجمات الإرهابية الإسرائيلية كما تضامنت بكل أشكال التضامن مع الفلسطينيين وانتصرت لها رسميا وإعلاميا وأمميا، وأكد جلالته – أبقاه الله- على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم عند حدود ٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، كما جاء الرأي الرسمي العماني متفقا مع الواقع لعدوان إسرائيل ونعتها بالعدوان الغاشم، وأكد وزير خارجية سلطنة عمان أن حماس هي حركة تحررية تدافع عن وطنها وليست حركة إرهابية كما يروج بعضهم، وجاء الرأي الديني المزلزل لمفتي سلطنة عمان الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي ومؤازرته القوية بشتى أنواع الإدانة من منطلق حر متفرد بعيدا عن السياسة ليدعم القضية الفلسطينية، لقد امتنعت سلطنة عمان عن إقامة احتفالاتها بيوم المرأة العمانية وخرجت سيدة عمان الأولى الجليلة حفظها الله ورعاها لتحيي المرأة المناضلة الفلسطينية في رسالة جعلت القضية الفلسطينية أولوية قصوى حتى في مناسبة تخص المرأة العمانية وحدها، كما وجه سيد الشباب وولي عهد سلطنة عمان المنتظر الشباب الفلسطيني ووجه اهتمامه نحو معاناته وتطلعاته، كما ألغت سلطنة عمان كل مظاهر الفرح بالعيد الوطني ٥٣ المجيد واكتفت برفع أعلام سلطنة عمان والعرض العسكري، فيما وجه الإعلام العماني بصيغة واضحة كل التضامن مع الشرفاء الفلسطينين ووقف وقفة واحدة بتسمية المسميات باسمها وبالبنط العريض أوردت رموز الاحتلال كمطلوبين للعدالة.
لقد رآب الموقف العماني الرسمي صدعًا كانت قد أقلقته مشتتات أخرى، بسبب الظروف الاقتصادية التي حلت بالمجتمعات والأمة ولكن القضية الفلسطينية قاربت بما لا يدعو مجال للشك بين الحكومة والشعب وجعلته أكثر ثقة بقيادته وأن وطن يقوده ربان وقائد بطل ماهر لهو أكثر أمانا من أماكن أخرى تتقاذفها أهواء السياسة المرتجة وعواصف المصالح ومكدرات تبدل الآراء والقيم.
ولا يمكنني أن أتغافل عن دور شعب عمان الأبي الذي توحدت كل صفوفه بمختلف أطيافه ورفع راية النصرة لغزة وقاطع حتى تلك الأشياء التي لم يكن يستغنى عنها إكراما وانتصارا لغزة وأهلها وضربة للكيانات التجارية التي تغذي العدو الصهيوني بالمال والدعم.
حقا جدير بنا اليوم أن نقول أن سلطنة عمان هي فخر كل الأوطان وتاج الأمم.